الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
واعتبر غيره الإنبات أي: للعانة، وعن عثمان رضي الله تعالى عنه أنه سأل عن غلام له فقال: هل اخضر إزاره، أي: نبت شعر عانته؟ فأسند الاخضرار إلى الإزار على المجاز، ولأنه مما اشتمل عليه الإزار، ونبات العانة الخشن عندنا علامة على بلوغ ولد الكافر فقط أما إذا رأى المني في وقت إمكانه وهو استكمال تسع سنين قمرية فإنا نحكم ببلوغه سواء كان ذكرًا أم أنثى مسلمًا أم كافرًا، وأما الخنثى فلابد أن يمني من فرجيه أو يحيض بالفرج، ويمني من الذكر {فليستأذنوا} أي: على غيرهم في جميع الأوقات {كما استأذن الذين من قبلهم} أي: من الأحرار الكبار الذين جعلوا قسيمًا للمماليك، فلا يدخل في ذلك الأرقاء، فلا يستدل بذلك على أن العبد البالغ يستأذن على سيدته، وقيل: المراد الذين كانوا مع إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام {كذلك} أي: كما بين لكم ما ذكر {يبين الله} أي: الذي له الإحاطة والقدرة {لكم}أيتها الأمة {آياته} أي: دلالاته {والله} أي: الذي يعلم السر وأخفى {عليم} أي: بأحوال خلقه {حكيم} أي: فيما دبر لهم، قال سعيد بن المسيب: يستأذن الرجل على أمه، فإنما أنزلت هذه الآية في ذلك، وسئل حذيفة: أيستأذن الرجل على والدته؟ فقال: نعم إن لم تفعل رأيت منها ما تكره، وعن أنس قال: لما كانت صبيحة يوم احتلمت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أني قد احتلمت، فقال: «لا تدخل على النساء فما أتى علي يوم كان أشد منه». ولما ذكر تعالى إقبال الشباب في تعيين حكم الحجاب أتبعه الحكم عند إدبار الشباب في اتقاء الظاهر من الشباب بقوله تعالى: {والقواعد من النساء} أي: اللاتي قعدن عن الولد والحيض من الكبر، فلا يلدن ولا يحضن، واحدتهن قاعد بلا هاء، وقيل: قعدن عن الأزواج وهو معنى قوله: {اللاتي لا يرجون نكاحًا} أي: لا يردن الرجال لكبرهن، قال ابن منبه: سميت المرأة قاعدًا إذا كبرت؛ لأنها تكثر القعود، وقال ربيعة: هن العجز اللواتي إذا رآهن الرجل استقذرهن، فأما من كان فيها بقية من جمال وهي محل الشهوة فلا تدخل في هذه الآية {فليس عليهن جناح} أي: حرج في {أن يضعن ثيابهن} أي: الظاهرة فوق الثياب الساترة بحضرة الرجال كالجلباب والرداء والقناع فوق الخمار، أما الخمار فلا يجوز وضعه لما فيه من كشف العورة {غير متبرجات بزينة} أي: من غير أن يردن بوضع الجلباب والرداء إظهار زينتهن، ثم إن الزينة الخفية في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} أو غير قاصدات بالوضع التبرج، والتبرج هو أن تظهر المرأة محاسن ما ينبغي لها أن تستره، ولما ذكر الله تعالى الجائز عقبه بالمستحب بعثًا منه على اختيار أفضل الأعمال وأحسنها بقوله تعالى: {وأن يستعففن} أي: فلا يلقين الرداء أو الجلباب {خير لهن} من الإلقاء كقوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} {وأن تصدقوا} لأنه أبعد عن التهمة {والله} أي: الذي جلت عظمته {سميع} لقولكم {عليم} بما في قلوبكم، واختلف في سبب نزول قوله تعالى: {ليس على الأعمى حرج} أي: في مؤاكلة غيره {ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} كذلك، فقال ابن عباس لما أنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}: تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمني والعمى والعرج، وقالوا: الطعام أفضل الأموال، وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ولا يستطيع المزاحمة على الطعام، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي من الطعام حقه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وعلى هذا تكون على بمعنى في؛ أي: ليس في الأعمى أي: ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض حرج.وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما: كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء؛ لأن الناس يستقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم، وعن عكرمة: كانت الأنصار في أنفسها قزازة فكانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا، وكان هؤلاء يقولون: الأعمى ربما أكل أكثر، وربما سبقت يده إلى ما سبقت عين آكليه إليه، وهو لا يشعر، والأعرج ربما أخذ في مجلسه مكان اثنين فيضيق على جليسه، والمريض لا يخلو من رائحة تؤذي أو جرح يبض أو نحو ذلك فنزلت، وقال مجاهد: نزلت الآية ترخيصًا لهؤلاء في الأكل من بيوت من سمى الله في هذه الآية، وذلك أن هؤلاء كانوا يدخلون محل الرجل لطلب الطعام، فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيت أبيه وبيت أمه، وبعض من سمى الله تعالى في هذه الآية، فكان أهل الزمانة يتحرجون من هذا الطعام ويقولون: ذهب بنا إلى بيت غيره فنزلت الآية.وقال سعيد بن المسيب: كان المسلمون إذا غزوا غلقوا منازلهم ويدفعون إليهم مفاتيح أبوابهم ويقولون: قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما في بيوتنا، فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون: لا ندخلها وهم غيب، فأنزل الله تعالى هذه الآية رخصة لهم، وقال الحسن: نزلت رخصة لهؤلاء في التخلف عن الجهاد، وقال: تم الكلام عند قوله تعالى: {ولا على المريض حرج} وقوله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا في بيوتكم} كلام مستأنف منقطع عما قبله فإن قيل: أي فائدة في إباحة أكل الإنسان طعامًا في بيته؟أجيب: بأن المراد من البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيه بيوت الأولاد؛ لأن بيت ولده كبيته؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه»، وقيل لما نزل قوله تعالى: {لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل}.قالوا: لا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد، فأنزل الله تعالى: {ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم} أي: لا حرج عليكم أن تأكلوا من بيوتكم {أو بيوت آبائكم} أي: وإن بعدت أنسابهم قال البقاعي: ولعله جمع لذلك فإنها مرباكم وحرمتها حرمتكم {أو بيوت أمهاتكم} كذلك وقدم الأب؛ لأنه أجل وهو حاكم بيته دائمًا والمال له {أو بيوت إخوانكم} أي: من الأبوين أو الأب أو الأم بالنسب أو الرضاع، فإنهم من أولى من رضي بذلك بعد الوالدين؛ لأنهم منكم، وهم أولياء بيوتهم {أو بيوت أخواتكم} فإنهن بعدهم من أولي البيت، فإن كن مزوجات فلابد من إذن الزوج {أو بيوت أعمامكم} فإنهم شقائق آبائكم سواء كانوا أشقاء أو لأب أم لأم، ولو أفرد العم لتوهم أنه الشقيق فقط، فإنه أحق بالاسم {أو بيوت عماتكم} فإنهن بعد الأعمام لضعفهن؛ ولأنهن ربما كان أولياء بيوتهن الأزواج {أو بيوت أخوالكم} لأنهم شقائق أمهاتكم {أو بيوت خالاتكم} أخرهن لما ذكر في العمات {أو ما ملكتم مفاتحه} قال ابن عباس: عنى بذلك وكيل الرجل وقيمه في ضيعته وماشيته لا بأس عليه أن يأكل من ثمر ضيعته ويشرب من لبن ماشيته، ولا يحمل ولا يدخر، وملك المفاتح كونها في يده وحفظه، وقال الضحاك: يعني من بيوت عبيدكم ومماليككم؛ لأن السيد يملك منزل عبده والمفاتح الخزائن بقوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}.ويجوز أن تكون الذي يفتح به، وقال عكرمة: إذا ملك الرجل المفتاح فهو خازن فلا بأس أن يطعم الشيء اليسير، وقال السدي: الرجل يولي طعام غيره ويقوم عليه فلا بأس أن يأكل منه، وقيل: أو ما ملكتم مفاتحه ما خزنتموه عندكم، وقال مجاهد وقتادة: من بيوت أنفسكم مما ادخرتم وملكتم {أو صديقكم} أي: أو بيوت أصدقائكم، والصديق هو الذي صدق في المودة ويكون واحدًا وجمعًا، وكذا الخليط والقطين والعدو قال ابن عباس: نزلت في الحرث بن عمرو خرج غازيًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف مالك بن زيد على أهله فلما رجع وجده مجهودًا فسأله عن حاله فقال: تحرجت أكل طعامك بغير إذنك، فأنزل الله هذه الآية. يحكى عن الحسن أنه دخل داره، وإذا حلقة من أصدقائه وقد استلوا سلالًا من تحت سريره فيها الخبيص ولطائف الأطعمة وهم مكبون عليها يأكلون، فتهللت أسارير وجهه سرورًا وضحك وقال: هكذا وجدناهم يريد كبراء الصحابة ومن لقيهم من البدريين، وكان الرجل منهم يدخل دار صديقه وهو غائب فيسأل جاريته كيسه فيأخذ ما شاء، فإذا حضر مولاها، فأخبرته أعتقها سرورًا بذلك، وعن جعفر بن محمد: من عظم حرمة الصديق أن جعله الله تعالى في الأنس والثقة والانبساط وطرح الحشمة بمنزلة النفس والأب والابن والأخ.وعن ابن عباس: الصديق أكبر من الوالدين، إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات بل قالوا: {فمالنا من شافعين ولا صديق حميم} والمعنى يجوز الأكل من بيوت من ذكر وإن لم يحضروا إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة ظاهرة الحال، فإن ذلك يقوم مقام الإذن الصريح، ولذلك خصص هؤلاء فإنهم يعتادون التبسط بينهم وربما سمج الاستئذان وثقل كمن قدّم إليه طعام فاستأذن صاحبه في الأكل منه، فإن قيل: إذا كان ذلك لابد فيه من العلم بالرضا فحينئذٍ لا فرق بينهم وبين غيرهم؟أجيب: بأن هؤلاء يكفي فيهم أدنى قرينة بل ينبغي أن يشترط فيهم أن لا يعلم عدم الرضا بخلاف غيرهم لابد فيه من صريح الإذن أو قرينة قوية، هذا ما ظهر لي ولم أرَ من تعرض لذلك، وكان الحسن وقتادة يريان دخول الرجل بيت صديقه والأكل من طعامه بغير إذنه لهذه الآية، واحتج أبو حنيفة بهذه الآية على أن من سرق من ذي رحم محرم أنه لا يقطع؛ لأن الله تعالى أباح لهم الأكل من بيوتهم ودخولها بغير إذنهم.فإن قيل: فيلزم أن لا يقطع إذا سرق من مال صديقه؟أجيب: بأن من سرق من ماله لا يكون صديقًا له، وقيل: إن هذا كان أول الإسلام ثم نسخ فلا دليل له فيه، وقرأ بيوتكم وبيوت وبيوتًا ورش وأبو عمرو وحفص بضم الباء الموحدة، والباقون بالكسر، وقرأ حمزة والكسائي أمهاتكم في الوصول بكسر الهمزة، والباقون بالضم، وكسر الميم حمزة، وفتحها الباقون، ولما ذكر تعالى معدن الأكل ذكر حاله بقوله تعالى: {ليس عليكم جناح} أي: إثم {أن تأكلوا جميعًا} أي: مجتمعن {أو أشتاتًا} أي: متفرقين، واختلف في سبب نزول هذه الآية، فقال الأكثرون: نزلت في بني ليث بن عمرو من كنانة، وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده فربما قعد منتظرًا نهاره إلى الليل، فإن لم يجد من يؤاكله أكل ضرورة، وقال عطاء عن ابن عباس: كان الغني يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصداقته، فيدعوه إلى طعامه، فيقول: والله إني لأجنح أي: أتحرج أن آكل معك وأنا غني وأنت فقير، فنزلت هذه الآية، وقال عكرمة وأبو صالح: نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فرخص لهم في أن يأكلوا كيف شاؤوا مجتمعين أو أشتاتًا متفرقين، وقال الكلبي: كانوا إذا اجتمعوا ليأكلوا طعامًا عزلوا للأعمى طعامًا وحده، وكذلك الزمن والمريض، فبين الله تعالى لهم أن ذلك غير واجب، وقيل: تحرجوا عن الاجتماع على الطعام لاختلاف الناس في الأكل وزيادة بعضهم على بعض.تنبيه: {جميعًا} حال من فاعل تأكلوا، وأشتاتًا عطف عليه وهو جمع شتت، وشتى جمع شتيت وشتان تثنية شت، روي أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نأكل ولا نشبع، قال: «فلعلكم تأكلون متفرقين اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه»، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا جميعًا ولا تفرقوا واذكروا اسم الله فإن البركة مع الجماعة».ولما بين تعالى مواطن الأكل وكيفيته ذكر الحال التي عليها الداخل إلى تلك المواطن أو غيرها بقوله تعالى: {فإذا دخلتم} أي: بسبب ذلك أو غيره {بيوتًا} أي: من هذه البيوت {فسلموا على أنفسكم}أي: على أهلها الذين هم منكم دينًا وقرابة، جعل أنفس المؤمنين كالنفس الواحدة كقوله تعالى: {ولا تقتلوا أنفسكم} النساء.وقال ابن عباس: إذا لم يكن في البيت أحد فليقل: السلام علينا من ربنا، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، وقال قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، فهم أحق بالسلام ممن سلمت عليهم، وإذا دخلت بيتًا لا أحد فيه فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، حدثنا أن الملائكة ترد عليه {تحية من عند الله} أي: ثابتة بأمره مشروعة من لدنه {مباركة} أي: لأنه يرجى بها زيادة الخير والثواب {طيبة} أي: تطيب بها نفس المستمع، والتحية طلب سلامة وحياة للمسلم عليه والمحيا من عند الله، ووصفها بالبركة والطيب؛ لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله تعالى زيادة الخير وطيب الرزق، وعن أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وقيل: تسع سنين، فما قال لي لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا قال لي لشيء تركته: لم تركته؟ وكنت واقفًا على رأسه أصب الماء على يديه، فرفع رأسه فقال: «ألا أعلمك ثلاث خصال تنتفع بها» قلت: بلى بأبي أنت وأمي يا رسول الله قال: «متى لقيت من أمتي أحدًا فسلم عليه يطل عمرك وإذا دخلت بيتك فسلم عليهم يكثر خير بيتك، وصلِّ صلاة الضحى فإنها صلاة الأبرار الأوابين».تنبيه: تحية منصوب على المصدر من معنى فسلموا، فهو من باب قعدت جلوسًا فكأنه قال: فحيوا تحية، وقال القفال: وإن كان في البيت أهل الذمة، فليقل: السلام على من اتبع الهدى، وكرر قوله تعالى: {كذلك يبين الله} أي: الذي أحاط علمه بكل شيء {لكم الآيات} ثالثًا لمزيد التأكيد وتفخيم الأحكام المختتمة به، وفصل الأولين بما هو المقتضي لذلك وهذا بما هو المقصود منه، فقال تعالى: {لعلكم تعقلون} أي: عن الله أمره ونهيه وأدبه، ولما كان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل موطن تجب الإقامة فيه ويهجر ما عداه من الأوطان قال تعالى: {إنما المؤمنون} أي: الكاملون في الإيمان {الذين آمنوا بالله} أي: الملك الأعلى {ورسوله} أي: ظاهرًا وباطنًا {وإذا كانوا معه} أي: الرسول صلى الله عليه وسلم {على أمر جامع} أي: يجمعهم من حرب حضرت أو صلاة جمعة أو عيد أو جماعة أو تشاور في أمر نزل، ووصف الأمر بالجمع للمبالغة أو من الإسناد المجازي؛ لأنه لما كان سببًا في جمعهم نسب الفعل إليه مجازًا {لم يذهبوا} أي: يتفرقوا عنه ولم ينصرفوا عما اجتمعوا له لعذر لهم {حتى يستأذنوه} قال الكلبي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض في خطبته بالمنافقين، ويعيبهم فينظر المنافقون يمينًا وشمالًا فإذا لم يرهم أحد انسلوا وخرجوا ولم يصلوا، وإن أبصرهم أحد لبثوا وصلوا خوفًا، فنزلت هذه الآية، فكان المؤمن بعد نزولها لا يخرج لحاجةحتى يستأذن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكان المنافقون يخرجون بغير إذن، قال مجاهد: إن إذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده قال أهل العلم: كذلك كل أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام لا يخالفونه ولا يرجعون عنه إلا بإذن، وهذا إذا لم يكن سبب يمنعه من المقام، فإن حدث سبب يمنعه عن المقام كأن يكونوا في المسجد فتحيض منهم امرأة أو يجنب الرجل أو يعرض له مرض فلا يحتاج إلى الاستئذان، ولما كان اعتبار الإذن كالمصدق لصحة كمال الإيمان، والمميز للمخلص فيه أعاده مؤكدًا على أسلوب أبلغ بقوله تعالى: {إن الذين يستأذنونك} أي: تعظيمًا لك ورعاية للأدب {أولئك} أي: العالو الرتبة {الذين يؤمنون بالله} أي: الذي له الأمر كله {ورسوله} فإنه يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة وأن الذاهب بغير إذن ليس كذلك، ولما نص على الاستئذان تسبب عن ذلك إعلامه صلى الله عليه وسلم بما يفعل إذ ذاك بقوله تعالى: {فإذا استأذنوك لبعض شأنهم} وهو ما تشتد الحاجة إليه، {فأذن لمن شئت منهم} بالانصراف أي: إن شئت فأذن، وإن شئت فلا تأذن، ففي ذلك تفويض الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستدل به على أن بعض الأحكام مفوّض إلى رأيه.
|